علاقة النشاط العقاري في المملكة بأسعار النفط
في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تلف العالم هذه الأيام تكبد عديد من الشركات في معظم دول العالم خسائر كبيرة وجاءت الشركات المالية أو المصارف على رأس القائمة ومن ثم شركات السيارات ولا يمكن الحديث عن نجاة أي نشاط من التأثيرات السلبية للأزمة التي نتج عنها انخفاض كبير في الطلب وارتفاع في العرض الأمر الذي أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار وتكدس هائل للبضائع في المستودعات.
النشاط العقاري الذي كان أحد الأسباب الرئيسة لحدوث الأزمة لم يسلم من التداعيات السلبية للأزمة في جميع دول العالم ومنها منطقتنا الخليجية التي تأثرت بها وإن كان بشكل متفاوت فمن تأثر كبير كما حدث في الإمارات والبحرين إلى تأثر متوسط كما حدث في قطر والكويت وإلى حد ما في المملكة.
لا يمكن عزل النشاط العقاري وازدهاره وقوة الطلب على منتجاته لدينا عن الظروف الاقتصادية التي يمر الاقتصاد الكلي، حتى في ظل الأزمة العالمية التي لن تكون سببا رئيسا في تقهقر ازدهار النشاط العقاري لمدة طويلة، فالاقتصاد الكلي هو من يحدد ويضيء الطريق للنشاط وليست ظروف السوق العالمية.
وإذا ما حللنا القفزات التي مر بها النشاط في المملكة على مدى الـ 40 عاما الماضية فسنجد من الأدلة ما يؤكد صحة هذا الافتراض القائم على أن ازدهار النشاط العقاري يرتبط ارتباطا وثيقا بارتفاع إيرادات الدولة والفائض الذي تحققه موازنتها المالية وهذا يرتبط بدوره بمستويات أسعار النفط في الأسواق العالمية، فكلما ارتفعت أسعار النفط ارتفعت بالتالي إيرادات الدولة وهذا ينعكس بشكل طبيعي على نفقاتها الأمر الذي ينعكس إيجابا على النشاط العقاري أسعارا وحجم طلب.
قبل أزمة النفط التي حدثت عام 73م لم تكن مستويات الأسعار تتجاوز ثلاثة دولارات للبرميل وبعد الأزمة ارتفعت الأسعار بشكل كبير حتى وصلت إلى مستويات الـ 45 دولارا في نهاية السبعينيات، وبالمثل كانت أسعار المنتجات العقارية قبل ارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة متواضعة جدا، وكان المتر يباع بريال وريالين وثلاثة ريالات فقط. وبعد الارتفاع الحاد في أسعار النفط ارتفعت الأسعار إلى مستويات كبيرة تجاوزت الألف والألفي ريال للمتر الواحد، وعندما بدأ الطلب على نفط منظمة أوبك يقل بسبب ارتفاع إنتاج الدول خارج المنظمة انخفضت الأسعار بشكل حاد كان ذلك في عام 85م وحتى عام 90م ووصلت الأسعار إلى أقل من 15 دولارا للبرميل وفي بعض الأحيان أقل من ذلك وهذا أسهم في انخفاض حاد لأسعار العقارات لدينا وركود في الطلب يتذكره الكثير من العقاريين اليوم.
وقبل الأزمة الحالية وصلت أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة ببلوغها أكثر من 140 دولارا وعلى أساس الارتباط الذي ذكرته ارتفعت أسعار العقارات لكن بعد انخفاض الأسعار إلى مستويات الـ 40 دولارا انخفضت الأسعار مرة أخرى، وهذا يؤكد ارتباط مستويات الأسعار بأسعار النفط وإيرادات الدولة منه.
السؤال الذي يلح على كثير من العقاريين وعلى من يريد شراء منتجات عقارية اليوم، هل ستستمر الأسعار في الانخفاض أم أنها سترتد؟ هل أشتري اليوم أم أنتظر؟ والإجابة على هذين السؤالين واحدة ويمكن استشرافها بالنظر إلى توقعات أسعار النفط في الفترة المقبلة، فلا شك أن انخفاض الأسعار سيخفض من حجم الاستثمارات الجديدة، والعكس صحيح كذلك فارتفاع الأسعار سيؤدي إلى ارتفاع حجم الاستثمارات.
دول الخليج العربية اعتمدت أو بنت موازناتها على أساس متوسط سعر 40 دولارا للبرميل هذا العام وهي في العادة تتحفظ في تقديراتها لحجم إيراداتها، وبعض الخبراء ومراكز الأبحاث قالت إن الأسعار ستصل في نهاية العام الحالي إلى 70 دولارا وهو ما نشر في هذه الصحيفة، وهناك من قال إن الأسعار ستصل إلى 150 دولارا وفي الاتجاه الآخر قدر آخرون أنها ستصل إلى 25 دولارا.
وفي تقديري أن أسعار النفط لا ترتبط بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية بشكل مباشر لكنها وثيقة الصلة بقدرة منظمة أوبك على التنسيق بين دولها ومدى التزام جميع أعضائها بقرارات الخفض التي تهدف للمحافظة على مستويات مقبولة للأسعار حتى تنجلي غمة الأزمة ويرتفع الطلب وترتفع الأسعار مرة أخرى، ولا يمكن تجاهل أن انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى ضعف تدفقات الاستثمار الرأسمالية في الإنتاج النفطي وهو ما سيؤدي لا محالة إلى ارتفاع كبير في الأسعار لا أتوقع أن يتأخر كثيرا.
من المتوقع أن تستقر أسعار المنتجات العقارية لمدة قصيرة قد تمتد لمدة ستة أشهر وبعدها ستبدأ موجة جديدة من الارتفاع الذي أتوقع أن يكون أكبر من السابق خاصة أن الارتفاع الأخير لم يكن موازيا في حجمه للارتفاعات التي حدثت في السابق ويدعم هذا ضعف الاستثمارات الجديدة في النشاط العقاري وقرب صدور نظام الرهن العقاري الذي سيسهل على الأفراد امتلاك مساكن لهم